حــرب الأفـكــار


حرب الأفكار

Ideas War

نظراً لان الموضوع يحتاج الى تفصيل ، كان يطرح على شاكلة كتاب ، او دراسة علمية متعددة الفصول ، تبدأ بطرق البوابة التاريخية لحرب الافكار ، ثم تاتي على بيان الاجزاء تصاعدياً ، لتخلص الى توصية وخاتمة برسالة واضحة الى جنود الافكار ، ، بشكل يحقق الترابط الموضوعي ، والحشد الفكري المتين ، ارتأيت التركيز على التعبئة الاجتماعية بلغة مبسطة تواكب اهمية اطلاع العامة على حقيقة الصراع الدائر اليوم ، بشكل قد يساهم في تعزيز الحصانة لكتائب الافكار المشاركة في هذا الصراع ، واعطائها الاهمية التي تليق بها ، فكما هو معلوم بان النصر في حرب لا يحتاج جيشاًُ وحسب ، وانما يحتاج اصفافاً وتاييدا واحتضاناً من المجتمع ، واسيعاباً لعدالة الفكرة المحفزة لتهيئة اجواء القتال ، وخلفية الصراع ، والادوار التي يجب على الفرد تاديتها في جبهات الاصدام المختلفة ، ساتحدث عن ذلك بمقاطع منفصلة تلامس ما يراه الواحد منا من مظاهر التراجع ، وفقدان الهوية الحضارية ، والتفسير الثقافي لحالة الاضطراب والانضباع والانصياع والتطبيع وفقدان البوصلة المحددة للسير ، والاحباط المعرفي ، والتفسخ النفسي السياسي ...

هنا اركز على مقاطع من حرب الافكار ، واحاول ان اشرح مبادئ هذه الحرب من وجهة نظر شخصية مرتكزة على الشريعة ، بمشاركات منفصلة في هذا الموضوع ، تتطرق لموضوعات منفصلة بشكل بسيط ، قد استخدم فيها اللهجة العامية لتقريب الصورة قدر الامكان للمتلقي ، مشيراً الى قولاً الشافعي ( رايي صواب ، يحتمل الخطأ ) ، وراي غيري خطأ ، وافكاره غير صحيحة ما لم تسند بقدر سليم من الادلة والبراهين المناسبة موصولة بسياقها ، ومحصورة في ساحة الوطيس الفكري موضع الاحتدام ،

لا باس من السؤال ، فهو مفتاح المعرفة لكل من السائل والمسؤول ،

السائل يستعلم ، والمسؤول يستبصر ، وكم من اجابة خفيت على كليهما ..

في السنة حينما سال جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم : ما الساعة ، فاجاب ( ليس المسؤول عنها باعلم من السائل) ،

احيانا ، السؤال يكون للايماء ، او يكون بحد ذاته اجابة .. وبدون السؤال لا معرفة ولا فائدة ..

من الصغر يبدأ الانسان بصفته الكائن الوحيد المكلف ( بالعقل ) بالسؤال .. يسال ما هذا وما ذاك ..

وبالسؤال قد يعرف عدة اجوبة ، لذلك المعرفة تراكمية ، ذو سياق ومجال ،

فالمهندس لو حضر ندوة للاطباء عن الطب لن يكون استيعابه موازيا لهم ،

ولو استخدموا مفردات بسيطة ، لن يكون له القدرة على الاستنتاج ، وايجاد حل ، او براءة اختراع كما هي لديهم ..

الرسول عليه الصلاة والسلام كان اميا ، لا يعرف القراءة والكتابة .. لكنه افصح العرب ،

فالكتابة مجال ، والنطق مجال ، والسمع مجال .. وهكذا ..

لذا قد يكون الخلل موجودا في الناحيتين .. قصور الفهم من المتلقي عن المعرفة ، او عن جزء منها ..

او خلل من الملقي ، لغوي او اصطلاحي ..

في الناحية الادبية .. هناك استخدام للالفاظ وتوظيف لها على غير ما تكون به عادة ،

كالاستعارة ، والتشبيه ، والكناية ..

هنا يجدر التركيز على السياق ، والمجال ، والتبصر .. فليس كل المعاني ذو مغزىً مباشر ..

قيل ايضا : (المعنى في بطن الكاتب ) .. هذا بحد ذاته ايماء بعيد ..

فالتراكمية في الفهم نسبية ايضا ، والكاتب اكثر قدرة من غيره على فهم ما يكتب ..

لذلك كان حساب السرائر على الله وحده ،

( يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ) ..

بالنسبة للشعور بالتوتر عند عدم الفهم فهي حالة صحية ، لان الشعور بالتوتر باعث للاستعلام عن اجابة يطمئن لها القلب والعقل ،

وهي ايضا مؤشر لرغبة الشخص في استقصاء الصواب ، لا مجرد السؤال ..

تنويه : تقطع المسافات الى الخالق باهتزاز القلوب وتوترها ،

قال تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ، ( يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم) ..

والقلوب السليمة دائمة التوتر في طريق بحثها عن اجابة ،

متابعة ،

انتصار الفكرة يشير الى انتصار المعركة ، هذا للافراد ، واما للجمع فانتصار الفكرة هي الغلبة في الحرب ،

سبق وان اشرت بان الحرب هي سلسلة من المعارك ، فللباطل جولة ، وللحق صولة ..

الصولة : هي السطوة في الحرب .. ،

اضف الى ذلك ايها القارئ في حسبانك ، بان المعركة سلسلة من التصادمات ، طويلة او قصيرة ، كحال الحرب لكن للزمن كلمته في التفريق بين كليهما ، الى جانب الاحصاء المتعلق بالخسائر والمكاسب ، فالمعركة تسمى حملة ، والحملة مجموعة من النشاطات التي تهدف الى تحقيق نتيجة في فترة وجيزة ، او متوسطة ، فيقال : الحملة الصليبية ، وكذلك يقال : الحروب الصليبية ، ولكل سياق شواهده .. فالتاريخ جزء من الصواب ، وليس الصواب كله ، لان التاريخ حقائق ودسائس ، والحقيقة صائبة ، بينما الانسانُ مخطئٌ ومصيب ، والانسان واحد ، ولكن النفوس خيرة وشريرة ، مطمئنة ووجلة وبالاستناد الى هذه النقطة تحديدا نقض الشخصنة ، ورفع الدليل على اسنّة الصدق ، لا حصره بين أسنان المتكلمين ، و حرب الافكار تدور على مراحل ، كالحرب المادية ، ونشوب الحرب لا يعني فقدان الفكرة للطابع الاستراتيجي الهام ، فالفكرة قبل الحرب ، واثناءها ، وبعدها ، على ان فكرة ما بعد الحرب تشير الى كبرياء النصر ، او الى عنفوان الهزيمة !! .. ،

كيف نقرأ الاشارة ، ولماذا لا يراها البعض ؟

اما الشق الاول من السؤال فان له تفريعات عديدة لكن اليك / كم الاسس ، حيث تقرا الاشارة مع الاخذ بالحسبان النقاط التالية :

1 – المدى الطويل ( سبقت الاشارة اليه ) ،

2 – الاصول ، وما ينبغي ، وما هو كائن ،

3 – النقلات الفعلية والمتوقعة ، والمتأخرة ، والمعلقّة على شرط ،

4 – التسلسل والكسور على سلاسله ،

5 – البشرى ..

لماذا لا يرى البعض اشارات النصر ؟

انه لما كان النصر والهزيمة من سنن الحياة ، كما حال الايجابية والسلبية ، لكن الخطورة تكمن في ان تكون منهزما فقط ، او سلبيا فقط !! ، وان تكون انهزاميا بشغف ، حين تدرك بان النصر ممنوع حتى عندما تحلم ، تستيقظ لتعلن ذلك الكابوس !! ..

الاشارة المتمثلة في انتصار الفكرة غير مادية الملمس ، والمنشأ ، والظهور ، كامواج الراديو المنطلقة في الاجواء ، بمعنى انها لا تاتي لتصطدم بطبلة الاذن مباشرة ، وانما لها توليفات ، ولواقط ، نظرا لان موقف الناس من الفكرة متمايز ، وهم ليسوا سواء في البصيرة او القدرة على الاستقراء .. اضافة ان الفكرة كما ذكرت ذات مدى طويل ، لننظر الى قوله عليه الصلاة والسلام ( بعثت انا والساعة كهاتين ، واشار باصبعيه السبابة والوسطى ) .. منذ اكثر من حوالي 1500 عام لم تقم الساعة ، رغم ان المسافة بين الخنصر والبنصر تقترب من الصفر في عيون الحادقة ، ولكن كم عمر الارض ، وكم تساوي هذه الاعوام اذا ما قورنت بالملايين من السنين !! .. ،

اعود الى توضيح التمايز الموقفي تجاه الفكرة ، بهذا التطبيق الخارج عن السياق :

حينما يعرض المنتج الجديد في السوق ، فان متداوليه يقسمون الى عدة اقسام ، واركز على القسم الواحد خلاف التفريع فان له ايضا تفصيلات اخرى ، الى ما يلي :

1 – الرياديون : مخترعوا المنتج تبعا لحاجة او ضرورة ، انهم من عرف بوجود فرصة لهم من وجوده ،

2 – المبادرون : تلك الفئة التي تبادر الى شراء المنتج حتى قبل الاستماع الى الدعاية المخصوصة له ،

3– الرقراقون : توجهوا للسوق بعد نزول دعاية المنتج .. وبعد ان عرفوا عنه ،

4-التلقائيون : يشترون المنتج بعدما احسوا وجوده لدى حفنة من المبادرين والرقراقين ..

5 – الواقعيون : لا يشترون المنتج الا بعد رؤية فوائده جلية في وجوه المبادرين والرقراقين والتلقائيين ..

لافتة : الفئات المشاركة في حرب الافكار والمتاثرة بها تشبه تلك النقاط من حيث ان اعداد الفئات المنخرطة ، والمخروطة يزداد كلما نزلت بنا القائمة الى ادنى ، مع تضاؤل نسبة التركيز الفكري باستطراد ، تخيل اين انت من هذه الفئات ، ومن ثم تخيل معي ان كنت تستطيع رؤية الاثر المدمر لما يمكن تسميته ( واقعي بمرتبة الريادة ، وواقعي بمرتبة المبادرة ، وواقعي بمرتبة الرقيق ، وواقعي تلقائي ) .. وان لم تستطع فانظر الى تلك الريشة العائمة في الهواء الطلق .. !!

{ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ الّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَىَ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ..

سهم،،

مداخلة : ما الدليل على ان العنصر الروحي مكون فطري ؟

قال ابن عباس في خضم تفسيرة لقوله عز وجل { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } ..

لم اكن افهم معنى فطرة ، حتى قدم الي اعرابيان يختصمان على بئر ، فقال احدهما : أنا فطرته ، اي : أنشأته ، وابتدأته ..

ما ظهر لي من مشاركتك ، بان الخلط هو : في ادخال التغذية الفطرية على الفطرة بصفتها منبع خارج عن الانسان .. او مصدر غير يقيني ..

وهذا الامر باطل عقليا ، استنادا الى الية الفكر

{ قد } تشكيك .. ، تحتاج الى اثبات .. ينتقض بالبديهة ..

البديهة : عجز الدماغ ابتداءاً على التصور دون ورود الصورة ..

التاريخ : { من الممكن ان تجد مدنا بلا اسوار ، ولا ملوك ، ولا ثروة ولا اداب ولا مسارح ولكن احدا لم ير مدينة قط بلا معبد او مدينة لا يمارس اهلها عبادة } لا ادري من قال ذلك من الفلاسفة ..

اضف الى ذلك : باني تكلمت بامثلة توضح المظاهر الفطرية للفطرة الاساس ،

وهي تذهب في الجانب الخير ، على ان المظاهر التي قد يتكلم بها بشر ما بانها { شر } .. وفقا للكم الصوري المتاتي لديه بالحكم على هذا النحو هي ايضا مظاهر متولدة عن الفطرة الاساس والفرق بينهما تصنيفي ،

لان النوع البشري : من مظاهره القتل دفاعا عن النفس ، او القسوة كردة فعل نفسية على صورة ما ..

اذن الاجابة شملت جوهريا الخير والشر في الجانب الانساني موضع البحث في حركة الافكار ..

متابعة ،

أحد العناصر الهامة في حرب الأفكار ، تكمنُُ في انتصارِ المحارب على نفسه ، فهيِ خصم لا يقل خطورةً عمن يحارب ، لذلك فحين يغيب العدو عنك لأنك لا تمتلك السلاح ، أو لانّك هزِمت ، أو لأي ظرف كان ، لا تتوهم بان المعركة توقفتْ فأنت لا زلت على قيد الاحتياج ولو لمجابهة ما تبقى من نفسكْ .. لم تعد قادراً على دفع عجلة الافكار الى الامام ، فلا تدعها تمر على وجودكْ ، بعدما أصابك من عجز والم حين شاهدتها تمر فوق اجساد محاربيكْ .. أي الخيارين تريد ؟

~ أن تبحث لمعتقداتك عن فكرة ؟

~ أو أن تبرر هذه المعتقدات بأي فكرة تصادفها ؟

~ أو أن تبدأ من مرحلة ما قبل الفكرة من جديد ؟

هذه التساؤلات تشكل دوافع تتمتع بمستوىً مرتفع من النبض ، يخفق ، ويدفع المحارب للبقاء ..

الأجابة تبدو مديدة بعض الشيء ، بالوقوف على فكرة ، أو معتقد ، او هوّةِ ما قبل الفكرة .. والاشارة أصبحت مرتكزة على مركز حرب الافكار { العقل } .. وأصبحت كذلك فرديّة حين تقطع بها السبل بعد أن كانت جماعية ..

ما يهم ويبعث على الصمود .. بأن العقل يخوض هذه الحرب بكيفية ثابتة وان استخدمت فيها الاف الاشكال الثابتة والمتشكّلة والمتقلبّة .. وأحد هذه الثوابت .. ممارسة الفرد طقوس الحياة الاجتماعية مع أحد الأشكال المتشكّلة .. في غياب المجموعة .. طبقاً للقواعد الفكرية والمنبثقة عنها .. وهذا يعني بشكل أدق ، نمو الفكرة بعيداً عن بستان الافكار .. في انتظار تزهّره بجهد المجموعة ..

انت لست ممن يعمل لنشر الفكرة .. لكن شعورك بانتشارها دالة بقاء .. تقصيرك لا يعني الحكم بالتراجع .. وانما يعني بان الزهو لم يبلغ نصابه بعد ..

لذا : يكمنُ دور الفرد المشارك في حرب الأفكار أن يحافظ على وجوده الفكري سليماً حينما تتناثر الحقيقة بين اجزاء القافلة .. وهذه القاعدة الذهبية نستطيع ادراكها حينما ننظر الى شجرة التين الميتة بما تعلق بها من فسائل يتيمة ، توحي لنا بحقيقة عودتنا مرة أخرى لنرى تلك الشجرة متسمّرة في مكانها على ما كانت والدتها عليهْ ..

كما اشرت الوقت لا يسعفني للترتيب الموضوعي ،

ابدأ من حيث الفكرة التي تحضرني وانتهي بها ،

1 } شرعية حرب الأفكار ؟

ما من فعل يحدث في هذه الدنيا الا ويبنى على فكرة ،

الفكرة اما تكون صواب أو خطأ ، ولا يوجد احتمال ثالث ،

والفكرة هي مولد الافعال ، او الدافع للسلوك ،

لديك فكرة ايجابية عن القراءة ، تترجم هذه الفكرة الى قناعة باهمية القراءة ، ودورها البنّاء ،

في العادة ، لا يوجد فكرة واحدة عن موضوع محدد ، وانما مجموعة من الافكار تصقل السلوك بسمة مميزة ،

لديك فكرة ايجابية عن قراءة الشعر ، او الرواية او القران ،

فانت اكثر ميلا لقراءة الشعر من النثر ، او قراءة القران بالمقارنة مع النثريات الاخرى ،

حتى نصل الى معادلات فكرية تحدد سمة الاشخاص ، وتحدد سمة المجتمعات ، تبعاً لدرجة الاتزان والثبات والتجانس ..

شخص اخر لديه اتجاه سلبي نحو القراءة ، هذا التوجه معاكس لذلك الشخص المهتم بها ،

وهنا يحصل الخلاف تبعاً لاختلاف السمات ، ونوعيتها ، وخطورتها ،

هناك من الافكار ما يتعلق بالنواحي الغريزية لدى الانسان ،

تلك الملامسة للخصائص المشتركة بين البشر ،

حب التدين ، التملك ، النوع البشري ، البقاء ،

اوضحها على عجالة بذكر جملة من الظاهر المتعلقة بها :

التدين : من مظاهر هذه الغريزة تقديس ما هو عظيم ، وقوي ، وقادر ..

التملك : السعي لحيازة الاشياء ،

النوع البشري : العطف ، وحب مساعدة الغير ، واغاثة الملهوف .. ،

البقاء : الرغبة في الحياة ، والعيش الكريم ،

هنا ، لكل انسان افكار عن هذه الغرائز ، وعن المظاهر المتعلقة بها ،

ونظرا لخطورتها واهميتها ، تنشأ لها الحروب ، وتراق عليها الدماء ،

فعندما توجد دولة تسعى لقتل سكان دولة اخرى ، او نهب ثرواتهم .. هنا يكون التصرف من قبلها بناءاً على فكرة

تامين بقاء شعبها على حساب الشعب او الشعوب الاخرى ، منتهكة المجال الحيوي لفكرة الشعب الاخر عن ضرورة البقاء

واهمية فكرة الدفاع والمواجهة في سبيل تامينه والحصول عليه ،

هذا يفسر المنطلق الاساس للحروب والتي تبدأ بفكرة تريد انتهاك المجال الحيوي لفكرة اخرى !!

طبيعة حرب الأفكار ؟

كي نفهم حقيقة حرب الافكار ، يجدر بنا الوقوف مليّاً على الايحاءات اللفظية لكل من حرب ، وفكرة ،

الحرب : سلسلة من المعارك ، طويلة أو مقتضبة ـ تدور بين خصمين أو اكثر ، تضم الواحدة من هذه المعارك جولة او جولات تجمع الفرقاء تحت ظلال السيوف ، او ازيز الرصاص ..

أما الفكرة فهي : الرأي عن موضوع من المواضيع سلباً أو ايجاباً ، قبولاً او رفضاً ..

وعادة ما تسبق بالخطرة ، ورود الفكرة الى حيز التفكير عن طريق الحواس ، بنظرة الى الواقع ، سماع به ، او قراءة عنه ، ..

اما المدلول الاصطلاحي لكلا اللفظين ( حرب الافكار ) ، فهو يختلف الشيئ الكثير عن المعنى الفردي لكل منهما ، هذا الاختلاف ناجم عن الطبيعة المختلفة بين حرب المقاتلين ، وحرب الفكريين ، وعن المدى البعيد للفكرة ، والمدى الضيق لساحة القتال ، وهذا ما ينقلنا للحديث عن حجري اساس ، او

اركان لحرب الافكار :

1 – حرب الافكار بعيدة المدى

هذا يعني ان من يعتزم المضي قدما في هذا السبيل عليه ان يركز على القتال لا على النصر ، فانه حليفُ الصواب طال الزمن ام قصر ..

ان يستأسد في دفع العدو ، لا تحصيل الغنائم ، ان ينظر دائما الى الافق ، لا الى موضع قدميه ..

2- حرب الافكار بحاجة الى ذخيرة ، وتراجع ..

اما الذخيرة بشكل عام فهي الحقيقة ، والحقيقة ليست بشخص ، ولا بصديق ، ولا بنظارة شخصية لاحدهم ،

التراجع : يتراجع المقاتلون لتنظيم صفوفهم اذا اشتد الغبار ، ويتراجع مقاتل الافكار لترميم فكرته ، ومراجعتها ،

وتنقيحها ، وشطبها ان اقتضى الامر ذلك ، المطلوب رجوع للتهيئ ، لا للتولّي والاندثار .. فمقاتل الافكار ينتهي بالموت او نحوه ، كما ينتهي من صدق الله بالشهادة ..

بناءاً على التقديم السابق ، حديثنا عن حرب لا عن معركة ، وعن افكار والتي نقصد بها على هذا الصعيد من التسلسل ( القناعات ) ، والقناعة هي حالة من تلقي الفكرة بادلتها ، وتفهم البراهين المتعلقة بها ، بشكل يشكل دافعا الى ضرورة اقتناع الاطراف الاخرى بهذه الفكرة لما فيها من خير ، ثم خوض حرب في سبيل اعلاء رايتها خفاقة فوق راية غيرها من الافكار اذا تعذر حدوث ذلك في اطار ( الانصياع للحقيقة مشافهة ) ،،

( حرب الأفكار جليلة اذا ما كانت حرب قناعة ، وتنحدر بتدني مستوى الفكرة حتى يقتتل الخصوم على مباراة لكرة القدم ) ،

حرب الأفكار قائمة بالفعل ، هي بالمناسبة موجودة ما دام الخير والشر موجوداً ، والهدف من الموضوع هو شحذ لهمة اهل الخير ، لان زماننا تداعى فيه الظلم ، وعظمت قوته حتى بات اهل العدل يسألون هل بقي الى رجوع من سبيل ؟!! ،

اما اي الامور انجع ،

واي الافكار .. فهذا سؤال يحتاج الى استفاضة في الشرح ، لكن اقرب لك الاجابة ، بان حرب الافكار تدور على عدة مراحل ، بالنسبة للامة الاسلامية ، قامت حركات فكرية لتخوض رحى هذه الحرب ، وطنية ، وقومية ، ووطنية بمسميات اسلامية .. تصدت لفكريات الغرب في جوانب ، وغفلت عنها في جوانب أخرى ، لكنها لا زالت تزداد وعيا على ما يجب صده ، عند كل هزة ومجزرة واحتلال ،

ما يضعف الموقف ، تناحرها فيما بينها ، هي حققت انتصارا على الفكر الدخيل ،لكنها تعاني من الاقليمية ، والانفرادية ، وعدم القدرة على تطهير الفكريات من الشوائب التي تعكر صفوها ، هذا يحتاج الى ان تتكاتف على اساس فكر يتبنى رسالة عالمية عادلة ، ستدرك هذه الحقيقة يوما ، والتي هي ( الاسلام ) ..

بعد ان تأخذ حرب الأفكار مستحقها من الزمن ..

{ الحق بغير قوة أحلام } ،

كذلك اي فكرة من الأفكار ،

فبوش ما كان ليقول ( اريد ان اصحح خطأ الرب في ان جعل النفط في بلاد العرب ) ،

الا بعد ان غرته تلك الاساطيل من الحديد المنتشرة على امتداد الظلم ،

ووجود المرافئ المستضيفة لها في بلاد العربُ والاوطان !! ،

لم يأبه بمن عارض او استنكر ، لم يابه بتفحص الحقائق ،

فالمبرر عند وجود القوة ليس بصعب المنال ( من ليس معنا فهو ضدنا ) .. ( القوي عايب ) كما يروي المثل ..

ديمقراطية الغرب هزمت من ناحية فكرية ،

الربا مثلا فكرة قال فيها الله عز وجل ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) ،

عندما حدثت الازمة المالية مؤخرا : صرح بعض المحللون البارزون بان الحل هو في النظام الاقتصادي الاسلامي ، وبان الاموال لا تلد الاموال .. ( تم ذلك بعد مراوحة تقارب مئة سنة من الترويج لها والقتال في سبيلها ) ..

اعترفوا صراحة بهزيمة فكرتهم ، حيث ان الربا من اسس الراسمالية العفنة ،

هذه هي حرب الافكار ، وانتصار الفكرة يشير الى انتصار المعركة ،

( اتي الى شرح هذه النقطة لاحقا باذن الله ) ،

ثم سؤالك لماذا ينصرف الناس الى كثير من الامور رغم علمهم بتفاهتها ،

ذلك لان الحق ليس بمجرد كلمة ، الحق هو منشط ومكره ، عزيمة واصرار ، ثبات وتضحية ، وهذه امور ثقيلة على النفوس الضعيفة ..

( الا ان سلعة الله غالية الا ان سلعة الله الجنة ) ،

( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) ..

حينما يصبح الحق وحيدا او طريدا او غريباً ، عليك بتحمل الغربة رغم وحشتها ، وعليك بقول ابن مسعود ( انما الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك ) ،

عليك بالثبات ، والامل ، والعمل ما استطعت الى ذلك سبيلا ،

ثم اخيراً .. حرب الافكار لها جنود ، كما للغناء جنود وزمرة ،

( ثلة من الاولين ) ، ( وقليل من الاخرين ) قليلون هم لكنهم اقوياء وعليهم يكون الامل ، وبثباتهم يتوالى النصر ..

اتي في هذه المشاركة الى نقطتين ، ذكرت بانهما بحاجة الى مزيد من التوضيح ،

النقطة الاولى : إتخاذ القرار بالمواجهة ، واثر الفكرة على نفسية المقاتل بالافكار

علما باني تكلمت عن الموضوع بعد التطرق لحالة الاشتباه الفكري .. وهنا ساشير الى مدى خطورة هذه الحالة ،

الاشتباه الفكري : هي حالة من التخبط بين الصواب والخطأ ، والتخبط بين الصواب والصواب ، والخطأ والخطأ ،

أصوب الصواب ، وسطوة الصواب على الخطأ ، واهون الشرين ،

أصوب الصواب في الحلول : الجذري منها ، رغم صعوبته ، تلك الشجرة المتساقطة الاوراق ، ترش على براعمها المبيد ،

ولا تزال منزعجا من اورقها الذابلة المتراكمة على خطوط الحجر المنقش ، رغم انها زيتونة دائما الخضرة ..

بامكانك ان تستمر برش المبيد لتنعم بخضرتها فترة أخرى ، ماذا لو فكرت بخلعها .. ( انظروا معي انا لست مؤيدا لتخريب الممتلكات ) ..

لكن اخلعها لتزرع أخرى فتية ، قد يطول الوقت حتى تراها شامخة في ذلك المكان من جديد ، لكنك لست مضطرا بان تندب على رقيمات الورق كل يوم ، ولا ابناؤك ..

التخبط بين الصواب والخطأ : حالة واضحة من الاشتباه الفكري لمن عرف الدليل ، وحالة مستعصية على الجاهل ،

وهنا انتقل الى دالة اخرى ، نسبية العلم ، ونسبية الجهل ،

وعلها تتضح بهذا الاقتباس { كلما زاد علم الانسان ، زاد جهله بما علم به } ..

فحيمنا حفظت فهارس الكتب الطبية لم اصبح طبيبا ، وحينما رتلت القران في رمضان على مدار شهر من الوقت لم اصبح مفسراً ..

فالعلمُ ليس باجحار ( ليجو ) نشكلها كما نشاء ، وذلك الطفلُ البارع في بنائها ، لا يعرف كيف يبني جسرا تمر عليه حافلة ..

اذن الاستعلام الفكري الوقائي ، أشبه بسياسة الارض المحروقة ..

تخيلوا معي تلك الكتيبة من الجنود وقد استطاعت الوثوب في قلب صفوف العدو ، بعد قتال سريع ، وعنيف ..

ظاهر الامر الشجاعة ، وباطنه الحصار ، وهل كان خالد بن الوليد عندما انسحب بثلاثة الاف من المسلمين الى قرية صغيرة ( مؤتة ) ،

الا شجاعا رغم انسحابه ، وهل كان عمر بن الخطاب الا ذكيا رغم استغراقه لاثنى عشر سنة لحفظ سورة البقرة رغم اني قادر على ان احفظها بخمسة ايام !! ..

الامر بسيط متعلق بالنوعية ، والكمية .. معادلة يعرفها الجميع ..

اهون الشرين في فكرة : اني اذا لم استطع فهمها ، ارجئها لوقت اخر ، وحينما اعود اليها في وقت اخر فاجدها على حالها من الغموض ،

اتركها لابحث عما استطيع فهمه ، بدل ان القي بها الى الحائط بحجة انها ( معقدة ) ..

اثر الفكرة على نفسية المقاتل بالافكار

لماذا لا يذهب الجندي الامريكي المنتمي الى الطبقة الارستقراطية الليبرالية بنفسه الى العراق ،

بدل من ارسال مرتزقة ، دقوا على صدورهم بالقدرة على احتمال الجحيم مقابل ( 30000 ) الف دولار امريكي كنفقة للفرد الواحد ،

لا شك بان هذا المبلغ يخلق نفسية حسنة الى قدر ما عند فرد اعتاد ان يسجد ل ( 10000 ) من ال $ فقط !! ..

ولماذا تطوع عراقي على الخدمة بالصفوف الاولى من المرتزقة بملبلغ ( 1000 ) ، الأن سقف توقعاته عنها كان ( 500 ) فقط !! ..

لا تعجب ايها القارئ فكلمة ( عربي ) ليس بعصاة سحرية للكرامة .. فكل ابن ادم تراب .. والتربة كالارض اما منخفضة او مرتفعة ،

رخيصة او باهظة الثمن ..

لماذا يبكي هؤلاء ، ويبستم الشهداء بالمجان !! ..

الأفكار تنتصر

الأفكار تنتصر